الأربعاء، 3 أبريل 2013

خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام.


خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام.







أولاً: أنه نظام رباني:
نظام رباني بكلياته وجزئياته قد شرع الله فيه للإنسان كل جوانب الخير وهو أعلم وأحكم فالذي أحكم الخلق وأتمه أنزل التشريع وأتمه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3].

وفي النظام الاجتماعي في الإسلام جاءت التوجيهات الإلهية والرعاية الربانية لكل جوانب حياة الفرد والأسرة والجماعة والأمة. قد سمع الله سبحانه مناجاة امرأة مؤمنة ومجادلتها في حاجة من حوائجها فكيف بحاجات المجتمع والأمة، ففي هذه النظام الاجتماعي تتجلى رحمة الله ويظهر لطفه بخلقه وفي الآيات القرآنية التي تبين القواعد والآداب الاجتماعية وغيرها تكتمل النعمة والمنة الإلهية على البشرية بالهداية لها في سبيل حياتها بعد نعمة الخلق والإكرام.
وكم هي الخسارة للإنسانية إذا أبعدت عن هذه النعمة، وكم هي الشقاوة الاجتماعية والنفسية إذا أعرضت عن خالقها العالم بها واللطيف بها: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

وذلك أن الناس فقراء إلى ربهم إلى فضله ورزقه وإلى هديه وشرعه. فلا غنى لنا عن رزقه ولا غنى لنا عن شرعه وهديه. وفي اتباع هديه سعادة الدنيا والآخرة وفي الاستمتاع برزقه تنعم في الدنيا لا يتم إلا باتباع هديه الذي يحقق الغاية التي من أجلها خلقنا وبها كرامتنا.

ولذا ربطت الآيات الكريمة بين الأمرين في قول الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذريات:56-58].

وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21] فما أعظم منة الخالق علينا بالخلق والإبداع ولما أعظم المنة علينا بالوحي الكريم فلم يكلنا إلى أنفسنا بل أنزل علينا هديه {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] والناس اليوم في شئون حياتهم لا يتجهون فيما صنعوا إلا إلى الخبراء بتلك الأجهزة، فلا يتوجهون بالسؤال عن مشاكل السيارات إلا إلى وكالات تلك السيارات والمتخصصين فيها. ولا يتجهون بأبدائهم إلا إلى الأطباء المتخصصين، ولا يرجعون إلا إلى الكتب والكتالوجات التي أصدرها المصنع الرئيس، وهم يقرون بأن الله هو الخالق وحده فما لهم لا يرجعون إليه وهو العالم بما صنع وأبدع وكم هو التخبط والفساد المتوقع في بعدهم عن خالقهم ومبدعهم سبحانه وأما الملاحدة الذين ينكرون وجود الخالق سبحانه فإن وجودهم يرد عليهم وفطرتهم ترد عليهم، وعقولهم وأرواحهم وأبصارهم التي لا يرونها ترد عليهم، فما كل شيء يرى وما كل شيء يحكم عليه بحاسة النظر. بل هناك حواس أخرى نتعرف ونثبت في كل حاسة ما هي دليل موصل إليه فالرائحة الجميلة نثبتها عن طريق الشم وليس المقام قابل للتوسع في رد باطلهم.

والناس إذا أهدى لهم محب بأصح هدية تشرفوا بها فما أعظم الشرف بهديه رب العالمين الكريم الرحيم.

وما أعظم الإفساد ممن يصد عن ذلك ويدعو إلى مناهج بشرية وقوانين وضعية لا تخلوا من التعسف ولا تحمى حق المغفلين من كيد الماكرين والمبطلين.

وفي ربانية النظام الاجتماعي في الإسلام تتحقق بها الطمأنينة من جوانبها المتعددة، الطمأنينة المنبعثة من الثقة بالله والاستغناء به عن كل ما سواه.

فما أعظم سكن القلوب إلى الله وما أكثر وحشتها في البعد عنه.

الطمأنينة المنبعثة من الحق وأنها على الحق المبين بلا تردد ولا شك ولا حيرة. والحق في النظام الاجتماعي في الإسلام وفي التشريع كله لا يلابسه باطل وليس له ضحايا. وليس فيه تفريط بالحق بأي جزئية من جزئياته.

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1] {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:43]، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وأما ما كان من عند غير الله فلا يسلم من الباطل والنقص البشري ولا ينفصل عنه ذلك.

فالطمأنينة المنبثقة من هذه الخاصية طمأنينة راسخة على أصول ثابتة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

ثانياً: أنه نظام تعبدي:
تتم فيه الأعمال الصالحة استجابة لأمر الله وتكون فيه المبادرة إلى الإحسان لوجه الله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: من الآية9] ولا تكون مبادلة المنافع المادية العاجلة هي الدافع بل هي من فضل الله الذي يمتزج مع العبادة بمعناها الشامل، إن الإسلام لا يعد العبادة فيه مجرد إقامة الشعائر إنما هي الحياة كلها خاضعة لشريعة الله {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].

فالحياة بكل أنظمتها ونشاطاتها متوجهة إلى الله ومن ثم فإن كل خدمة اجتماعية وكل عمل من أعمال البر والصلة والخير عبادة لله سبحانه.

وفي هذه الخاصية يتحقق في النظام الاجتماعي لذة الاحتساب الذي يجدها كل مخلص، ويسعد بها كل تقي، وتكسب الأعمال سمو الأهداف فوق مطامع الدنيا المحدودة إلى ابتغاء الدار الآخرة وهي خير وأبقى، التعبد لله وحده لا شريك له يضفي على الأعمال الاجتماعية كلها روحاً لا تجدها في غير الإسلام، فلا تجد في الرأسمالية مكاناً للإحسان وهذه الخاصية تدعو إلى الاستمرار في العمل مهما كانت ردود الفعل عند المحسن إليهم فالمقاصد سامية ولا تقف عند حدود المجازات والمكافأة من البشر لأن المحسن يرجو ما هو أكبر مما عند البشر يرجو رضوان الله والجنة، فما أعظم الغايات وما أسمى النيات المتجهة إلى الله.

وتلك هي الغاية العظيمة التي حددها الله سبحانه للحياة بكل جوانبها. وخاصية التعبد الذي يحقق الأمان في الدنيا بكل معانيه على النفس وعلى الدين وعلى الأموال وعلى العقول وعلى الأعراض وعلى كل ما يؤثر على المجتمع وعلى الأحياء.

ثالثاً: أنه نظام متوازن:
فالنظام الاجتماعي في الإسلام تتوازن فيه حقوق المرأة وحقوق الرجل حقوق الفرد وحقوق الجماعة، وحقوق المجتمعات فيما بينها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13] تتوازن فيه متطلبات الإنسان العاطفية والعقلية وميوله ورغباته الجسدية والروحية فلا يطغى جانب على حساب جانب فتبارك الله رب العالمين الذي أنعم علينا بهذا التشريع الميسر والنظام الاجتماعي الكريم.

وكم وجدنا ورأينا في تجارب البشر من طغيان جانب على غيره ففي الرأسمالية يكدح العمال والمجتمع ليجني أصحاب رأس المال ويشقى الأكثر ليسعد الأقل. وفي ظل الشيوعية يكبت الفرد بدعوى مصلحة الجماعة وتحجب عنه معظم تطلعاته ويسحق في  إرادته للجماعة وما الجماعة إلا الأفراد.

فالنظام الاجتماعي في الإسلام نظام متوازن في مصالحه كلها فلا يسحق الفرد باسم الجماعة ولا تهدر مصالح الجماعة لمصلحة فرد أو حزب أو فئة. ومتوازن في متطلبات الإنسان الروحية والعقلية والجسمية فلا إهدار فيه ولا إفراط ولدي الشواهد الكثيرة على هذا التوازن في النظام الاجتماعي في حياة الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والأمة المسلمة لكن الاختصار المطلوب في هذه الورقة يحول دون تفصيلها وسوف نبسط فيها القول في كتاب مفصل بهذا العنوان إن شاء الله تعالى.

ومن ذلك قول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} [البقرة:228]  وقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وقول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [لقصص: 77].

وغير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تمثل قواعد اجتماعية تحقق التوازن في الحياة الإنسانية، توازن متقن ولا غرابة في اتقان هذا التوازن وهو من عند خالق السماء التي لا ترى فيها نقصاً مهما أعدت النظر وكررته فهكذا النظام في الإسلام مهما أعدت النظر فلن تجد فيه من نقص ولا فطور لا في نظامه الاجتماعي ولا السياسي ولا الاقتصادي فالذي قدر كل شيء وأتقن في الخلق قدر وأكمل التقدير في النظام الذي حدده لهذا الخلق وهذه الحياة فتبارك الله رب العالمين، وفي هذه الخاصية يتحقق العدل الذي تتطلع إليه البشرية دائماً. العدل الحقيقي بأبعاده الشاملة وتطبيقاته الكاملة في حضارة الإسلام الخالدة من حياة الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح ومن بعدهم.

رابعاً: أنه نظام متكامل:
النظام الاجتماعي في الإسلام يقوم على التكامل بين الأفراد الذكر والأنثى كل له رسالة محددة يكمل بعضهم بعضاً. والناس بمجموعهم تقوم حياتهم على التكامل لا على الصراع، تقوم على أن يحب الفرد المسلم لأخيه ما يحب لنفسه فهم كالبنيان وكالجسد الواحد يكمل بعضهم بعضاً. الغني مع الفقير تقوم حياتهم على التكامل والتكافل لا على الحسد والتباغض والصراع الطبقي المقيت. الذي يظهر في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة. وأيضاً التكامل في المهمات المتعددة والمناشط والمواهب الإنسانية التي يكمل بعضها بعضاً، فلا يمكن للفرد أن يصنع لنفسه كل حاجاته ولكن الجماعة في الإسلام يتحقق في رحابها جميع معاني التكامل في الحياة والتكافل الذي يحقق مصالح الدنيا والآخرة.

والتكامل في هذا الجانب يميز النظام الاجتماعي في الإسلام ويحقق قوة الترابط بين أفراد المجتمع على أساس من التقوى التي تزكى علاقة المسلم بربه وتنمى علاقة المسلم بأخيه المسلم وبمجتمعه وأمته.

ومن هذه الخاصية تتحقق الأخوة التي هي رابطة المؤمنين الوثيقة كما قال جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وفضل الأخوة والتفصيل فيه مبسوط في كتاب "فقه الأخوة في الإسلام" للدكتور علي عبدالحليم محمود، والأخوة في الله هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تأسيس المجتمع المسلم في المدينة المنورة، وهي الطريق الواضح لبناء المجتمع المسلم في المدينة المنورة وهي الطريق الواضح لبناء المجتمع المسلم في كل وقت وحين، الإخوة الإيمانية التي لا يعرف لذاتها إلا من عايشها ولا يعرف أبعادها إلا من سابق فيها كيف لا وهي تقوم على الحب في الله بجماله وعاطفته وبهائه مع سمو القصد فيه، الحب القائم على الإيمان بالله ما أجمله وما أصفاه.

خامساً: أنه نظام شامل ميسر:
فالنظام الاجتماعي في الإسلام نظام شامل لمصالح المسلم من خلقه جنيناً في بطن أمه إلى مماته وما بعد مماته، يحفظ الحق له ويرتب المصالح المتعددة بتناسق وتضافر.

شامل في إحسانه لجميع جوانب الحياة وما خلق الله فيها من الكائنات ففي كل كبد رطبة أجر، شامل لكل الأحوال التي تطرأ في حياة الفرد والأسرة والمجتمع فلكل حال حكمها المناسب لها.

سواء كان ذلك الشمول بنص مباشر من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بقاعدة كلية من قواعد التشريع المعتبرة، شامل بروحه الميسرة وبعده عن الحرج ونماذج هذا الشمول كثيرة وواسعة نذكر منها الابتسامة المشرقة في وجه أخيك إلى الإيثار والتضحية بأكمل معانيها. نذكر منها إماطة الأذى عن الطريق إلى تحريم كل أذى من الغيبة والنميمة وغيرها من المؤثرات على الحياة الاجتماعية.

قال أبو الأعلى المودودي - رحمه الله -: "وهذه الأحكام المتعلقة بالمعروف والمنكر شاملة لجميع شعب حياتنا من العبادات الدينية وأعمال الأفراد ومسيرتهم وأخلاقهم وعاداتهم وآدابهم في الأكل والشرب والجلوس والقيام واللباس والكلام والشئون العائلية والصلات الجماعية..." وذكر بقية شئون الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية فما هناك شعبة من شعب الحياة إلا تناولتها الشريعة وأوضحت لنا فيها الخير من الشر والطاهر من الخبيث والصحيح من الفاسد فهي تعطينا صورة كاملة لنظام صالح للحياة وتبين لنا بكل تفصيل ما هي الحسنات التي يجب أن نقيمها ونحرص عليها. وما هي السيئات التي يجب أن نعمل على محوها. وهي صورة متكاملة متشابكة مترابطة يصح أن يؤخذ بعضها ويترك البعض. ولا أن يمزج معها ما ليس منها وما هو غريب عنها.

فلابد من أن تقيموها كاملة متعانقة ولم يرسمها لتأخذ أي جزء أعجبكم من أجزائها وتقيموه حيث أردتم سواء كانت معه بقية أجزائها أو لم تكن. إن كل جزء من هذه الصورة للحياة في الإسلام مرتبط بسائر أجزائها. نظرية الإسلام وهديه (ص158-160).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/sowayegh/0/19190/#ixzz2PTBQWfv9

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق